كتاب أخبارنا
أخر الأخبار

كيف يجب أن ننظر لمآسينا الذاتية..!!؟

ما أكثر مانعجب ونتفاعل ونحزن ونفرح بتلك القصص الإنسانية الخالدة التي تضمنتها بعض الأفلام العالمية التي أصبحت علامات فارقة في تاريخ السينما العالمية.

أعظم الروايات العالمية جسدت في تلك الأفلام ومازالت الذاكرة تختزن كثير منها ونتذكر شخوصها وتلك الحوارات التي دارت بينها ولحظات الضعف والقوة والظلم والعدل والنبل والشجاعة والخسة والخيانة والوفاء.

أعظم الروائيين وأعظم الروايات كتبت حول الإنسان ومآسيه وهمومه ومصيره وتصرفاته وانفعالاته وخياراته وكيف كان يتعامل معها ويواجهها لوحده أكثر الوقت.

الإنسان ذلك الكائن الجبار الضعيف في آن واحد،المسير فيما لاطاقة ولا إرادة له عليه والمخير في كل أمر قادر على فعله وتحت سلطته المباشرة.

عندما نتعاطف وننفعل ونتخيل ونتماهى مع تلك المواقف الإنسانية وتلك التجارب التي دونها عظماء كتاب العالم وقدمها مخرجيه وممثليه والتي تناولت الإنسان في كل مكان في هذا العالم ألا يجب والحال هذه أن يلح في أذهاننا سؤال يقول:”وماذا عن إنساننا نحن الذي نعرفه حق المعرفه”؟!!

إنساننا الجار والصديق والقريب وابن القبيلة والعائلة والأسرة الذي هو أيضاً-كما إنسان العالم الذي نقرأ عنه أو نشاهد قصته-له قصته وهمومه وتجربته ومأساته الخاصة التي لانشعر بها ولاتؤثر فينا بالقدر الذي تستحقه ولانتفاعل معها أونتأثر بها كما يجب على الرغم من أنها”طازجة”أمامنا.

على الأقل لم نعطها حقها الإنساني المطلوب من التفاعل في أذهاننا كما نفعل مع تلك القصص التي أبكتنا وأضحكتنا كثيرا والتي تضمنتها الروايات والأفلام العالمية وبعض المسلسلات الشهيرة.

لم تحض قصصنا نحن ومآسينا الإنسانية نحن التي نعرف شخوصها وأحداثها وسوداويتها بذات الحظوة التي لدينا لتلك القصص العالمية على الرغم من أنها جميعا تتعلق بذات الإنسان وإن إختلفت الجغرافيا والتاريخ.

كأن قصصنا الذاتية لا تعنينا من قريب أو بعيد مع أن قصة”إنساننا”هذا ربما أكثر وأعظم مأساة وأغرب في أحداثها وشخوصها ومصيرها من تلك الموجودة في الأفلام والروايات التي طالما أثرت فينا ولمست دواخلنا بطريقة أو أخرى.

أقول هذا ونحن نشهد بين فترة وأخرى في نجران على وجه الخصوص وفي مناطق المملكة بشكل عام حالات قتل في لحظة تهور أو طيش أو حضور الشيطان ثم سجن فمطالبات بالعفو على الصعد القبلية والاعلامية والاجتماعية مع ماتجر هذه المآسي وما تترك من آثار فادحه على الناس وهذا يذكرني ببيت شعري يصف قتال الأخوة أو بعض مايجري حاليًا حيث يقول الشاعر:
“إذا إحتربت يوماً فسالت دماؤها
تذكرت القربى ففاضت دموعها”!!

لن أتحدث عن التعقيدات القبلية وكل التفاصيل التي نعرفها وخبرناها ونحن جزء منها وطالما دفعنا ومازلنا ندفع أثمانها على كل المستويات والتي تتناول هذا الأمر من زوايا سطحية لاتتعدى الفعل وردة الفعل.

إنما سأتحدث عن المأساة الإنسانية لإنساننا الذي يواجه مأساته وحيدا ونحن نتفرج عليه ولا نحرك ساكنا..ننشغل ونتأثر برواية أو فلم يتعلق بقصة إنسانية في جزر”الواق الواق”ولانهتم ولانعمل العقل ولا نتحرك ولا نتعاطف مع مآسينا الخاصة نحن على كل الجوانب ومن كل الأطراف والتي لاتقف عند أبطال المأساة المباشرين فقط بل تمتد إلى الأب والأخ والعم والأم والأخوات والأسرة والقبيلة ومجتمعنا الصغير والكبير.

حكى لي مرة أحد الأخوة قصة عن والده رحمه الله الذي كان طريدا معظم سني حياته “لذنب ارتكبه”لحظة غضب أو بفعل طيش الشباب أو حضور الشيطان..حكى هذا الأخ لي أن والده من كثرة تنقله المستمر وتغيير أماكن نومه باستمرار لم يعرف في حياته لحظة نوم هانئه حتى بعد أن تم الصلح بعد ذلك ودفعت الديات وانتهاء المشكلة.

لقد استمرت المأساة مع هذا الوالد إلى الأبد..”إذا نام في مكان لن نجده فيه بعد دقائق”قال لي ابنه حتى بعد أن”وضعت الحرب أوزارها”.

هل سألنا أنفسنا ماهو دورنا أمام هكذا مآسي إنسانية تحدث أمامنا جهارا نهارا ومعظمها كان يمكن- بقليل من الصدق والتوعية ومعرفة كل منا ماهية دوره المناط به-تلافيها.

أعلم أن تناول هكذا موضوعات ينطوي على حساسية عالية..ولكن إن لم نواجه هذا بصدق وشفافية فمن سيواجهه؟!!

لماذا نترك أمثال أهلنا وشبابنا العظماء هؤلاء لمصيرهم يواجهونه لوحدهم دون تحرك واعٍ على كل المستويات لكبح كل هذه الكوارث ؟!!

كم يشعر المرء بالأسى والحزن وهو يرى هؤلاء النبلاء الشجعان من أهلنا ومن كل الأطراف وقد تركوا نهبا لأسوأ مافي النفس الإنسانية الأمارة بالسوء من خصال..أعني: الإنتقام!!!

لايجب النظر لهذا الأمر على أنه مطالبة بالتعاطف مع قضية دون أخرى أو مع قاتل بعينه أو مقتول بعينه أو حالة بعينها أو قبيلة معينه فالجميع أهلنا قبل هذه المآسي وبعدها إنما أطالب بالنظر لهم جميعا من الزاوية الإنسانية الأشمل الكبرى.

يجب أن تعني لنا هذه المآسي شيئا..لابد أن تصرخ ضمائرنا بأعلى الصوت وتدق ناقوس الخطر لتنبيهنا جميعا بأن نفعل شيئا لإيقافها بكل السبل..إذا لم نشعر بمآسينا الذاتية نحن قبل مآسي الآخرين ونتفاعل معها ونبحث لها عن حلول جذرية ونستوعب مدى وطأتها على”إنساننا في نجران”وفي المملكة عامة وشبابنا وكمية الآثار السلبية طويلة الأجل التي تخلفها مثل هذه المآسي عليهم وعلى أسرهم وعلى مستقبلهم وعلى التفكير الجمعي لمجتمعنا الصغير فإن انسانيتنا وكل مثلنا ومبادئنا ستكون في خطر عظيم..أيها الغافلون:كفى للفرجة!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى