كتاب أخبارنا

تطبيع … فليكُن !

 

 

 

التطلعُ إلى التطوير هو مصطلحٌ تسلل إلى كافةِ زوايا وأركان المشهد في ممارساتُنا المجتمعية ، فتتلقفُهُ الأُذُنُ حيناً بين ردهات المؤسسات الحكومية ، ثم مايلبث أن يستقطع الحيّز الأكبر لأساتذةِ الجامعات أثناء الساعات المكتبية ، لنجدهُ متسلقاً في جُلِ الأعمدة الصحفية ، وفواحاً في عبقِ فنجان القهوة في المقاهي الغربية ، ليُشاطرُنا هذا المصطلح حتى موائِدُنا الشعبية .

 

إذاً فالتطويرُ والإرتقاء المدني هو مرامُ الأصوات المبحوحة ، وتطلعُ زوار قاعات تداول البورصة ، ومُنيةُ من يحيا بين كبد الفئتين السالفتين ، إذاً فهو عينُ المُنى لكافة الشرائح المجتمعية الوطنية .

 

والدول والمجتمعات عادةً حينما تستشرف النهوض فإنها تنبري لمُحاكاة من كان لَهُ قصب السبق من المجتمعات المجاورة ، وذلك مراعاة للمُناخ المناطقي الجيوسياسي العام ، والذي عادةً مايكون بمثابة خشبة المسرح ، ورحِمِ الأُم الذي يتفتقُ منه كُل المعطيات الطبيعية والإقتصادية والبشرية في حقل النهوض والتنمية لإنبلاجِ صُبحٍ مُشعٍ حديث .

 

مما يعني أن محاكاة أي مجتمع مختلف البيئة سوف تكون محاكاةً منقوصة وإستجلابٌ لفكرٍ تنمويٌ في غيرِ محله .

 

ولا أدل من ذلك سوى تجرُبة عراب النقلة الماليزية مهاتير محمد والذي شرع في خطتهِ التنموية بمحاكاة خطة مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا ليجد بُعيد فترةٍ وجيزة بوادر التقهقر تلوح أمام ناظريه ، فما كان مِنْهُ سوى أن أدار ظهرهُ غرباً ، وأعاد مؤشر بوصلته نحو الدول الشرق أسيوية والتي تتقاطع مع بلدهِ بيئياً ، متداركاً البون الجغرافي الشاسع بين مصر وماليزيا ، فكان لَهُ ما أراد .

 

مما علا يتجلى لنا في المحاكاة التنموية الضرورة الحتمية للتقارب البيئي والجغرافي ، وذلك لتحقيق دافعية خطة شاملة وطموحة في سبيل النهوض بالوطن إنساناً ومكاناً ، صاهرةً ( أي الخطة ) كل الترسبات الطائفية والعرقية ، ومذيبةً إجترار التاريخ الدموي من الذاكرة البالية ، مُغَلِبةً لمصلحة الوطن في نهوضهِ التكنولوجي والعلمي العائِدُ بروعةِ الأثر على تقدُمِهِ الصناعي ، ليسكُب العوائد المجزية في الإقتصاد الوطني ، مما يُثمر ويُسفر عنه بزوغ شمس تنميةٍ حضارية في شتى ردهات ومجالات الحياة ، باسقةً بالفكرِ وائدةً للعوز ماحقةً للبطالة .

 

وبتمحيص دول الجوار للتنقيب والتعقيب عن أنموذج صناعي يحتذى به سنجد الشطر الشهير لأبي فراس الحمداني موصداً تارةً ومنحوتاً تئر على كافة منافذ الموانئ البحرية والجافة لتلك الدول ، والقائل :
( وإن يدي مما علقت بهِ صِفرُ ) ،
يُستثنى من ذلك الجارةُ الشمالية الغربية المُستجمةِ على مدينةِ دَاوُدَ طوعاً أو كرهاً .

 

كيف لا وهي :

– أولى الدول الثمان تكنولوجياً لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية .
– أولى أربع دول فقط في العالم تمتلك أقماراً صناعيةً بغرض التجسس .
– وصيف لدولة هولندا التي تحُل ثانياً بعد الولايات المتحدة في العالم الصناعي .
– إنتاجها العلمي يفوق إنتاج الدول العربية مجتمعةً بأكثر من 36‎%‎ .
– ولجت إلى النادي النووي قبل ستة عقود وذلك منذ أن شرعت في بناء مفاعل ديمونا عام 1958 م
– تنتج الدبابة الأكثر قدرة على المناورة ، والأعلى تأميناً في العالم لحياة طاقمها .
– في عام 1976 م أذهلت العالم بأول إصدار من الطائرة المقاتلة كفير أي ( شبل الأسد ) .
– هيّئت بيئة جاذبة تستقطب من خلالها 33‎%‎ من العلماء في العالم .
– لديها ثمان جامعات ثلاثٌ منها مصنفة في QS للتعليم العالي العالمي للتايمز ( أي ضمن أفضل مئتين جامعة عالمية ) .
– يوجد بها أفضل المستشفيات الجامعية في الشرق الأوسط ، والتي نتج عنها ما يسمى بالسياحة العلاجية ، حيث يفد إليها المرضى ومرافقيهم من أقاصي الدنيا .
– إقتصادياً على مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة حلت في المرتبة ال 16 من بين 187 دولة وذلك في عام 2012 م .

 

ما علا ليس سوى غيضٌ من فيض في إمبراطورية الحضارة والتقدم التكنولوجي ، تحت شعارٍ إبتكرتهُ أنا شخصياً لها وهو :
( صِغرٌ في المساحة ، وقلةٌ في عدد القوى العاملة ، يُكافِئهُما عِظمٌ في الإنجاز ) ، فمساحتُها التي لاتربوا عن 20،770 كم2 يسيرُ ويدغدغ وجناتها ويبدعُ عليها فقط 6 ملايين نسمة ، بل على الأرجح 6 ملايين ( مُتَطلِع ) .

 

وبما أن لدينا في هذه البلاد الأبية مشروعٌ طموح يتبناهُ ( ولي العهد أيدهُ الله ) شابٌ جوادٌ نحو المعالي يعدوا بجموح في سبيل بلوغ مصاف الدول المتقدمة عبر منظومة رؤية 2030 ، فلابد من الإستنفاع ممن يملك من المقومات مايُعينُنَا على أن نُترجمُ به تلك الرؤية من أفكارٍ مرصوصة على رفوف الأسطر إلى أعمالٍ في واقعها البصر والبشر تُبهر ، هذا من جهة التنمية والتقدم السلميين .

 

وفي الجهة الأخرى مشاطرتُنا مياة الخليج مع بني فارس العدو التاريخي العميق الذي مايبرح أن يتربص بنا الدوائر مُأججاً ومغذياً لبؤر الإرهاب من اليمن إلى لبنان ، والذي أخيراً وجد ضالتهُ في حماقات الجار الخليجي ( قُطيّر ) حليفاً يطعنُ بهِ في خاصرة الوحدة الخليجية مستهدفاً مُقداساتُنا وأمنُنا القومي .

 

كل ماسلف يُحتِمُ علينا ويجعلُ مِنَّا في سعيٍ محموم نحو التسلّح المتطور الذي يكبحُ جماح كافةِ المُتربصين ببلادِ الحرمين ، وحكامها العُظماءِ النُبلاء ، وشعبُها المسالم الطيب ، والإستفادة القصوى من أبناء النقب الذين أوجدوا في وقتٍ قياسي مفاعل ديمونا بكافةِ أغراضه .

 

لذا فالآوان قد آن للتجرد لدى البعض من ِرداءِ الأصولية المتقوقعة ، ووأد أصوات الناصريين وعنترياتهم المزعومة ، فلن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينين أنفسهم ، فهاهي الناشطةُ سارة زعبي تصرح بقولها :
أنهُ لايمكن إنكار التاريخ اليهودي لمدينة حبرون الخليل ، وعلى شاكلة سارة الكثيرُ المثير ممن تضيق الأسطر بمرئياتهم وهم الأبناء الأصليين للقضية .

أما نَحنُ في سعوديةُ العز والمجد فقد سبق وأن أخذت هذه البلاد الأبيةُ على عاتقها هَمَّ القضية الفلسطينية ، وذلك منذ أول بذرةٍ بذرها الملك المؤسس في ثراء مملكة العدل والتوحيد ، ثم تواترت المناجدةُ والتأييد للقضية الفلسطينية من قبل أبناءه الملوك الميامين على مدى ثمانية عقودٍ خلت ، جاد فيها الملك سعود وإخوته الأماجد بالمناصرةِ العسكرية ، والمادية ، والمعاضدةِ المنبرية ، إلى ساعتنا الآنية .

فيآللآسى ما وجدنا غير الإكفهار ، وجزاءٌ كجزاءِ سنمار فالإساءة والتخوين حاضرتان نحو بلدنا المعطاء من البوق عبدالباري عطوان وبقية المرتزقة الذين طالما أغدقت عليهم هذه البلاد من خيراتها وثرواتها مالم يَجُد بهِ قُطرٌ عربيٌ أوعالميٌ آخر ، وكأني بحكيم العرب زهير بن أبي سلمى يصف حالنا معهم قائلاً :
ومن يجعل المعروف في غير أهله
يكن حمدهُ ذماً عليه ويندم

وبما أننا اليوم نرقُبُ العالم بأسرهِ وهو يحسِدُنا على ماننعمُ به من رغدِ عيش وأمنٍ وإطمئنان ، فأضحينا مابين صديقٍ نادرٍ يغبِطُنا ، وعدوٍ يتوالد ويتجهمُنا يتمنى زوال نعائمُنا ، لذا فإنهُ يتحتمُ علينا في المرحلةِ القابلةِ المحافظةُ على مُكتسباتُنا السياسيةُ والإقتصادية ، وأن يكون العنوان الأسمى والصوتُ الأعلى هو ( مصلحة الوطن ) ، فأينما يتجه سهم بوصلته ومصلحته ، وحيثُ يومئ سلمان الحزم ، ويرنو محمد العزم ، فسيجدوننا نُهافِتُ الريح إلى حيث مبتغاهما ، إن إبتغوها شمالاً ( فشمالُنا كبرٌ أشمُ ) ، وإن أرادوها جنوباً ( فجنوبنا كبرٌ أشدُ ) .

لذا فلا ضير من التعايش والتحالف مع أي ملةٍ أودين دام في ذلك نفعٌ لولاتِنا آزرهم المولى ولوطننا ولشعبنا ، قدوتنا في ذلك رسول الرحمة والتسامح صلى الله عليه وسلم ، والذي جاور وتعاهد وتحالف مع يهود بني عوف ، كما تعاهد عليه السلام مع يهود خَيْبَر ، فهذا ما رَآهُ نبي الهدى دام أن المصلحة تقتضي ذلك .

وليخرس بعض من يُناكِفُنا العداء من بني يعرب فلو أشرعَ نافذتهُ لأبصر العَلم ذو النجمةِ السُداسية يرفرف فوق أعلى ناصيةٍ في عاصمة دولته منذ عشرات السنون ، فلا تزايدوا علينا أيُها العروبيون فسعوديتُنا هي همزةُ الألِف وتاجهُ ، وبعضكم لايستحق أن يكون حتى للياءِِ نِقَاطه .

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى