كتاب أخبارنا

أيا سَيّدَي نجران..!!

 

“أَيا سَيِّدَي نَجرانَ لا أوصِيَنكُما
بِنَجرانَ فيما نابَها وَاِعتَراكُما
فَإِن تَفعَلا خَيراً وَتَرتَدِيا بِهِ
فَإِنَّكُما أَهلٌ لِذاكَ كِلاكُما
وَإِن تَكفِيا نَجرانَ أَمرَ عَظيمَةٍ
فَقَبلَكُما ما سادَها أَبَواكُما
وَإِن أَجلَبَت صِهيَونُ يَوماً عَلَيكُما
فَإِنَّ رَحى الحَربِ الدَكوكِ رِحاكُما”.

وأنا أقرأ في كتاب الدكتور المؤرخ فاضل الربيعي المهم(القدس ليست أورشليم ص٢٣)وجدت أنه نسب الأبيات السابقة لشاعر يسمى(أعشى همدان)فيما معظم المصادر التي اطّلعت عليها نسبت الأبيات أعلاه لشاعر يسمى(أعشى قيس/صناجة العرب)الذي ذُكر أنه عاصر أساقفة نجران من بني الحارث بن كعب ومدحهم في أكثر من قصيدة وفي مناسبات مختلفة.

يقول الدكتور الربيعي في كتابه المشار اليه:”حين كان الملك اليمني-المتهوّد-(يقصد ذو نواس الحميري)يستعد للزحف نحو العاصمة المسيحية في الجنوب الغربي من جزيرة العرب(يقصد نجران)كان الأعشى الهمداني،اليمني( النصراني المتعاطف مع أساقفة نجران)يسافر على عجل،ويلتقي أساقفتها من بلحارث بن كعب محذراً(عبر تلك الأبيات)من حرب يعدُّ لها يهود اليمن”.

ثم وجدته في كتابه المهم الآخر(ابطال بلا تاريخ ص١٦٨)يذكر أن(أعشى همدان)عاش في عصر الحجاج بن يوسف الثقفي في زمن بني أميّه،وهنا يبرز السؤال التالي:-

كيف يكون(أعشى همدان)الذي عاش زمن الحجاج بن يوسف الثقفي هو الذي حذّر أساقفة نجران شعرا من تلك الحرب الوشيكة،التي نتج عنها بعد ذلك محرقة الأخدود الشهيرة العام٥٢٣م؟!!

أرسلت للدكتور الربيعي مستوضحا حول ما وجدته من تضارب في الكتابين وقد أفادني بالتالي:-

١-أن صاحب الأبيات أعلاه هو بالفعل شاعر قديم يسمى(أعشى همدان)من عزلة(بني قيس في اليمن،التي تقع ضمن الحدود الإدارية القديمة لقبيلة همدان)وكان(نصرانيا)ثم ظهر تالياً(أعشى)آخر في العصر الإسلامي وهو من همدان ايضا ويُزعم أنه رثى(قتلى)أحد،وعاصر ايضا زمن الحجاج بن يوسف.

٢-ما يُزعم في الروايات التاريخية عن أن هناك أعشى باسم(أعشى قيس)قيل أنه ولد في(منفوحة)تلفيق إسلامي متأخر ولاوجود له…انتهى كلام الدكتور الربيعي.

والحقيقة أنني قبلت تلك الإجابة من قبل الدكتور الربيعي مؤقتا وعلى مضض،ثم بعد ذلك،وبعد بحث وتقصي،لم أعد مقتنعا بها حتى يزال هذا الغبش/التناقض الذي أشرت اليه سلفا..لم اعد مقتنعا بإجابة الدكتور الربيعي للأسباب التالية:-

١-الدكتور الربيعي في كتابه(ابطال بلا تاريخ)لم يذكر ضمن قائمة الشعراء السبعة عشر الذين أُطلق عليهم لقب(الأعشى)إلا(أعشى همدان واحد)فقط،وهو الذي ذكر أنه عاصر الحجاج بن يوسف الثقفي،فأين(أعشى همدان القديم النصراني الذي قال أنه ينتمي لعزلة بني قيس)؟!!لماذا لم يذكره ضمن قائمة السبعة عشر آنفة الذكر؟!!

٢-الدكتور الربيعي هو الذي قدّم لكتاب الأستاذ محمد ال هتيله(نجران والنصرانية الأولى)والمنطق والعقل يقولان أنه يفترض أنه قرأه واطّلع عليه كاملا كما ينبغي،لكن المفاجأة أننا سنجد(ص٨٩ من كتاب الأستاذ ال هتيله)أن الأبيات الشعرية(أيا سيدي نجران)نسبت-كما هو موجود في كثير من المصادر-(لأعشى قيس)فلماذا لم يصحح الربيعي هذا الخطأ في كتاب الأستاذ ال هتيله(على افتراض أنه يراه خطأ أو لأن شخصية(أعشى قيس)الذي قيل أنه وُلد في(منفوحة)شخصية مختلقه ولفقها المؤرخون في عصر متأخر ولاوجود لها على حد كلام الدكتور الربيعي)؟!!!

٣-جدير بالذكر أن مؤلف الدكتور الربيعي(القدس ليست أورشليم)الذي نسبت فيه الأبيات ل(أعشى همدان)صدر عام٢٠١٠م وكتاب الأستاذ ال هتيله(نجران والنصرانية الأولى)صدر العام٢٠١٥م ونسبت فيه الأبيات ل(أعشى قيس)الذي يراه الدكتور الربيعي أنه شخصية لاوجود لها ومع ذلك فلم يصحح ماورد في كتاب الأستاذ ال هتيله كما تقتضي الأمانة العلمية،إلا أن يكون فاته هذا الأمر،فليس هناك أجمل من الإعتراف بالحقيقة وأن هناك خطأ ما وقع يجب تصحيحه.

أخيرا:هناك لدي احساس أو لنقل ظن وبعض الظن ليس اثم،وهو أن بعض اخواننا المثقفين العرب عندما يتم سؤالهم عن هكذا تناقضات أو ملاحظات في مؤلفاتهم وبخاصة عندما يتعلق الأمر بتاريخ نجران فإنهم يأنفون أو لنقل يتحرجون من الإعتراف بالخطأ ويقدمون اجابات ليست شافية ولا كافية ولا علمية وهذا الأمر لايفترض أن يحدث من مثقفين أجلاء نحترمهم ونقدّر جهودهم البحثية والعلمية.

حدث لي مثل هذا الأمر مرة مع الأستاذ الروائي الفلسطيني والوزير الأسبق للثقافة يحيى يخلف الذي ارسلت له مستفسرا عن سبب تسمية روايته الشهيرة الأولى(نجران تحت الصفر)بذلك الإسم وأخبرته أن أحد كبار السن في نجران قال لي-عرضا وهو الذي لايعلم شيئا عن الرواية ولا اسمها-أنه كان يستمع لبرنامج إذاعي في إذاعة(عدن/اليمن الجنوبي)في الستينات إبان الحكم الإشتركي الذي كان معاديا للمملكة حينها بعنوان(نجران تحت الصفر)وسألت الأستاذ يخلف الذي كان معلماً في نجران في ذات الفترة إذا ما كان يستمع لذات البرنامج في إذاعة عدن عندما كان في نجران وهل استوحى اسم روايته المعروفة منه؟!!

وعلى طريقة المسلسل الكوميدي الكويتي(خرج ولم يعد)انسحب الأستاذ يحيى يخلف من النقاش بهدوء وكأنني ارتكبت إثماً أو وقعت على سر خطير لايود أن يعلم به أحد…فماذا لو قال:نعم أخذت اسم روايتي من ذلك البرنامج؟!!

هناك العديد من التجارب التي حدثت لي مع مثقفين من الداخل والخارج وبخاصة الذين كتبوا عن نجران وتاريخه وأهله الذين للأسف اكتشفت أن بعضهم لصوص في أثواب علمية وتاريخية وروائية ولكن هناك في الجانب الآخر من يجب أن نحترمه ونقدره ونضعه على رؤوسنا لأنه يكتب ويبحث ويتحدث بأمانة ونبل وحب وعشق لنجران وأهله وتاريخه بشكل خاص وللمملكة العربية السعودية بشكل عام.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نجران سماحة السماء ونورها
    أذهب يا ابا ركان إلى هلالها واقرع جرسها وارسم آخر صوامع نساكها وابعث بزاجلها إلى سيدي نجران

زر الذهاب إلى الأعلى