كتاب أخبارنا

وقعت فصولها في نجران ….قصة وفاء بين باكستاني وإبنه السعودي..!

اتصل بي صديق في إحدى ليالي رمضان، مهد لي الحديث مع شخص آخر يجلس بالقرب منه، فقلت له أهلا بك، وبصديقك.. خيم صمت لثوان معدودة، فإذا بصوت جهوري وبلغة بنجابية، وتارة أردية.. سلم علي، وعرفني بنفسه… كنت وأنا أحدثه، أحاول تحديد لهجته الباكستانية وتخمين منطقته.. يا ترى من أين يكون؟!

ثم سمعت لهجة نجرانية أصيلة، ظننت مع ذلك أن رجلا آخر يحدثني، بيد أنه كان الشخص الذي للتو خاطبني بالأردية، حاولت أستفهم منه كيف لنجراني من (آل عامر) أن يكلمني كأنه (بنجابي) من (لاهور) أو ما جاورها من المدن، ضحك وهو يتحدث معي بامتنان وسرور، وعرفت منه حكايته.. الحزينة..
في إحدى أيام سنة ١٩٨٠م ولد (حسين) لأبوين من (نجران) من منطقة (حبونا)، فرحوا به كما يفرح الأبوان لأي ابن، وحين بلغ الرضيع من عمره شهرا، شاء الله عليهما حادثة توفيا فيه، بينما بقي (حسين) على قيد الحياة بإصابات لا تكاد تُذكر، وقد نقل على إثرها إلى المستشفى..

في المشفى حين علم الدكتور الباكستاني (محمد أشرف) بأن الرضيع حي يرزق بينما والداه قد فارقا الحياة، تشاور مع زوجته ولم يكن قد رزقهما الله بعقبٍ حينذاك، وحين اتفقا بينهما طلبا من ورثة (الرضيع السعودي) أن يتبنياه، بيد أن طلبهما قوبل بالرفض بشدة لكنهما أصرا على ورثة الرضيع..
وبعد عدة محاولات رضي الورثة على أساس أن الأبوين طبيبين، وسيعتنيان به، كما أنهما سيهتمان بالجانب التعليمي للطفل، واشترطوا أن يبقى (الرضيع) بالقرب منهم، تحت نظرهم، في رعاية الأبوين الباكستانيين الطبيبين..

يقول الطفل (حسين) بعد أن أصبح شابا يافعا أن أباه (محمد أشرف) الذي رباه أحسن الصنع معه، حتى أنه بعد أن رزقه الله بأبناء وبنات كان يُحسن إليه أكثر مما كان يحسن إلى أبنائه الحقيقيين، وقد تربى معهم أكثر من ستة عشر عاما دون أن يدرك (حسين) أنه ليس ابن (محمد أشرف) الحقيقي..
ظل الدكتور الباكستاني في (حبونة) مستأجرا عند عم (حسين) حتى انتقل إلى الرياض بدوافع العمل، وانتقل معهم (حسين) أيضا، وحتى بداية دراسة (حسين) الثانوية قرر (محمد أشرف) العودة إلى باكستان لانتهاء خدمته، ولكي يقرر لأبنائه ما يناسبهم، ومستقبلهم الأكاديمي..

جلست عائلة الدكتور (محمد أشرف) في الرياض سنتين بعد قضاء (١٤) سنة في (نجران)، وحتى وجودهم في السعودية لم يعلم (حسين) عن والده الحقيقي، ولم يخبره أحد أيضا من أقاربه، ولم يلاحظ (حسين) اختلاف الأسماء على هويته عن اسم والده الذي تبناه حتى قرر العودة إلى باكستان.
كان لدى (محمد أشرف) ملف يخفيه عن (حسين)، بل ويمنعه من أن يتحدث في شأنه، وكان يثق فيه ثقة عمياء سواء في بيته أو ماله، إلى أن قرر (حسين) يوما أن يقرأ ما في الملف، ولم يعلم أنه ليس ابنه الحقيقي إلا حين قرأ ما فيه، كان (أشرف) يحتفظ فيه بكل ما يتعلق بحسين من وثائق.

لقد كانت معرفة الحقيقة بالنسبة له صادمة، أَثَّرت عليه نفسيا، وغيرت مجرى حياته، لكنه تدارك ذلك لأن صنائع المعروف الذي رآها من والده الذي تبناه (محمد أشرف)، ووالدته (أمينة) أنسته كل شيء مُر، كما أن الصبر هي الحيلة الوحيدة التي تبقى للإنسان العاجز..

يقول (حسين) أنه لم يكن يفهم لماذا إذا ما سافر والداه إلى باكستان للإجازة أو لأي ظرف طارئ يتركانه في السعودية عند أعمامه، لم يعرف ذلك إلا عندما اتضحت له جميع الحقائق، وبعد أن عاد (أشرف) إلى باكستان، التحق حسين بالعسكرية، وأمضى فيها سنوات، ثم أصبح لاحقا أحد منسوبي الصحة.
(حسين) سعيد بماضيه وحاضره، وما زال يكن لوالديه في باكستان كل احترام وتقدير، ويزورهما بين الفينة والأخرى، كما يأتيان لزيارته إلى السعودية أيضا، أوصى أبناؤه بوالديه خيرا، والقصة التي سردتها إنما هي عنوان للوفاء بين باكستاني وسعودي شأنها شأن العلاقات الباكستانية السعودية الوثيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى