كتاب أخبارنا

من مهندس إلى مصلح !!!

 

 

  • أنت مصلح؟
  • لا … أنا صالح !
  • والنعم فيك، أقصد أنت تصلح جوالات؟

طوحت بي هذه الجملة إلى كافة زوايا الذاكرة وكل زميل وكل محاضرة وكل طموح وكل ليلة قضيتها وحيدا ساهرا مهموما، غاصت بي جملة هذا الشاب الصغير إلى أقصى أعماق النفس البشرية وتقلباتها وأهوائها ونوازعها وإرادتها، استجرت ذاكرتي كل مسئول ألتقيته وكيف كان يمثل دور العارف المسيطر وهو أحد دعائم الخلل الذي ألم بنا منذ عقود من الزمن.

لقد كانت الجامعة تغذيني بنسج الأحلام الخيالية، وتحفزني على أنني كائن مغاير عن الناس، لقد القمتنا الصعوبة بحجة التنافسية فصرنا نرى الأشياء البسيطة ونبحث عن الصعوبة فيها، لقد غرست فينا الشك السرمدي بأن هناك شيء ما يتربص بنا، لقد شوهت الأنفس بحجة التعليم القوي “وليتنا من حجنا سالمينا”.

لقد أخذتني لكل وعد قطعته على نفسي وكل حلم حلمت به، وكل أمنية منيتها بها الغير، ولم أنسى كل ليلة تقربني إلى تحقيق حلمي وخططي التي كنت أبوح بها لوالدتي وما الذي سأفعله وكيف سأخفف عنها وطأة الدنيا وأجلي ضيمها. لم أنسى كل شيء وهو حال النفس عندما تتألم تتذكر كل شيء فائت، وهو شعور غريزي ليست النفس بجاهلة فيه، بل تدرك تمام ذلك من خلال التذكر أثناء العذاب والتحسر على ما فات، وهل العذاب إلا الندم والحسرة على ما فات؟

على يقين تام بأنني لم أمر ما مررت به إلا لسبب وجيه ومقنع واتهم نفسي دائم بالتقصير والخطايا والمطامع الدنيوية ولكنني لست بأسوائهم كما يقول عمر بن كلثوم،

صبنت الكأس عنا أم عمر  وكان الكأس مجراها اليمينا

وما شر الثلاثة أم عمر   بصاحبك الذي لا تصبحينا

طفنا الديار

وصاحبنا الطيّب والخيّب

تعلمنا ومازلنا

قرأنا وكتبنا

ولم تعد الدنيا بأكبر همنا بفضل من الله

إلا أن الحاجة والجزء الدنيوي يتطلب أن نسعى لأجل أن يعيش ويبقى صحي وسليم وكي تبقى النفس عزيزة ومكرمة ولا شيء إلا بيد الله مثل ما قال ابن جدلان

إليا عطينا فلا غير الله المعطي   وإليا منعنا فلا غير الله المانع

تخرجنا ودرسنا وبنينا هياكلنا الفكرية ولم تجود علينا مسيرتنا بأمثلة شبابية قيادية توحي إلينا بالخيارات العديدة التي نمتلكها، لقد حشرونا في طابور واحد وعلى نافذة واحدة يقف خلف قضبانها رجل بلا ذمة ولا ضمير، يجعل من الطابور مسبحة يلوح بها كيفما شاء ويرتجز الشعر كبطل وهو يفعل بأخلاق العبد.

نعتزل البشر ونشعر بأن تنافسهم مرض، ونردد باننا تجاوزناهم إلا أننا في خضم تجمعاتهم نلتقط فيروسوه ونصبح أشرس منهم، وكما يقول كتاب سيكولوجية الجماهير بأن الفرد من الممكن أن يفعل الأفعال البطولية والسيئة مع الجماعة دون تفكير.

يطول بنا الفراغ إلى حد أن يصل بنا أن نتهم أنفسنا بأننا بإرادتنا نمتنع عن السعي للرزق بحجة أننا نوعية من البشر الفريدة من نوعها والتي ستتفتق الأرض يوما لتمنحنا ثديها من الجواهر والدرر، نستخف بكل إنجاز ونسخر من كل عمل، نمتلك مواهب فكرية عالية ولكننا لا نعرف نستغلها بالشكل الأمثل ولا حظ لمن يبحث عن الأفكار ليكتشفنا.

ربما قدري أن أكون على ما أنا عليه ولا أجد الأشياء التي أريدها إلا بصعوبة،

لكي أنقل حالي كحال كل منسي قذفت به تقلبات الزمان إلى خارج دائرة الحياة الدائرة رحاها الآن.

جملة الفتى كانت قشة البعير،

من موقف إلى موقف ومن صورة إلى أخرى، ومن حال إلى حال،

ذكرتني بنفسي وأنا المهندس الذي لا يشق له غبار،

ذكرتني بالوزير الذي كان يتصل بي مكتبه كل يوم وعندما حضرت كتب عليها يطبق النظام وأنا كنت أشتكي خلل النظام، لقد كنت رقم يضيفه في رصيده،

تذكرت ذلك المدير الفاسد الذي يوظف الجنسيات الغير سعودية ويحلب الشركات باسمهم،

تذكرت تلك الشركة التي تملئ الدنيا ضجيجا وكيف أن العمل مجرد زوبعة في فنجان، ايميلات ومراسلات واجتماعات والنتيجة فأر.

تذكرت المستشارين الذين يملئون الوزارات الحكومية والتي تطلب بالسعودة وجل موظفيها غير ذلك.

تذكرت كلمة سعودة والتي جعلت كل من هو غير سعودي يقف ضد السعودي مما جعل التكتل يجعل من السعودي قزم أينما حل.

تذكرت الكثير والكثير وحاولت أن أبحث عن شيء مبهج أو مشرق فلم أجد فتحايلت على نفسي لأستشرف المستقبل فذعرت.

مؤتمرات معارض ولقاءات ولم أرى فيها سوى شيء جديد أختفى جانب كنا نراه وبدأ جانب آخر يحل محله.

تركت كل الماضي والمستقبل وكرست جهد على الجوال بين يدي،

نصف ساعة ويكون كل شيء جاهز، وبالفعل قمت باستبدال شاشته وكان المبلغ جيد رغم أنني توقعته غاليا قليلا، لقد كان دخل تصليح ثلاث جوالات في اليوم يعني وظيفة أرقى مهندس،

بدون مدير فاسد ولا واسطة ولا شهادة أو نظام إداري غربي وبيئة بدوية ونفسية عربية متقلبة، وشليلة نتنة.

ولو كنت مجتهدا قليلا وقمت بصيانة ست جوالات لكان مرتبي يضاهي مرتب وزير.

ولم أحتج لشيء لذا قررت أن أعتزل في ومهنتي الجديدة.

كلمة مصلح أسمى من مهندس في أقل المكاسب.

 

 

صحيفة مثار علوم وأخبار بحلتها الجديدة ترحب بمشاركاتكم الأدبية والثقافية والشعبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى