كتاب أخبارنا

سر تهجم “عرب الشمال” على بداوتنا ومجتمعنا السعودي والخليجي؟!!

 

هجوم وزير خارجية لبنان على البداوة والبدو والمجتمع السعودي والخليجي وثقافة الصحراء لا ينبغي أن ننظر له على أنه مجرد فورة غضب حدثت في لقاء تلفزيوني ، بل الأمر أبعد من ذلك وله جذوره التاريخية والنفسية العميقة المتوارثة في العقل الباطن لكثير من إخواننا العرب وتحديدًا من يطلق عليهم(عرب الشمال)، وبخاصة الطبقات المثقفة والسياسية وذات التأثير منهم.

لماذا نسمع ونشاهد بين الفينة والأخرى مثل هذه العبارات المسيئة الإزدرائية ضد البدو وعرب الجزيرة العربية وأبناء الصحراء؟!!

لماذا يكرر بعض إخواننا العرب هذه المقولات المعلبة التي تنم عن جهل مطبق بالتاريخ والعلم مع أنهم أول من يعلم أن هذه الصور النمطية غير الصحيحة لا تتطابق مع الواقع ولا الحقيقة ؟!!

لمعرفة إجابات تلك الأسئلة والأسباب الكامنة خلف هذه التهجمات والإساءات المتكرره من بعض إخواننا العرب ضدنا علينا العودة للتاريخ وسبر أغواره والبحث عن الكيفية التي عن طريقها التصقت هذه الصور النمطية في أذهانهم.

في رأيي أنه بقراءة متأنية لكتاب الباحث الأنثروبولوجي السعودي الدكتور سعد الصويان المعنون(الصحراء العربية ثقافتها وشعرها عبر العصور قراءة انثروبولوجية)سنعثر على الإجابات للأسئلة المعلقة التي ستفسر لنا اسباب هذه التصورات النمطية السيئة لدى بعض إخواننا العرب.

يذكر الدكتور سعد الصويان في عنوان فرعي في كتابه أسماه(البداوة والبدائية)”أن(النموذج الخلدوني-ابن خلدون)يصور البداوة العربية التي تقوم على رعي الإبل وكأنها مرحلة بدائية مضادة للحضارة وسابقة لها وهو في ذلك جاء متأثرا بالصورة السلبية التي بلورتها وكرستها نقوش وكتابات الحضارات النهرية في بلاد الرافدين عن أهالي الصحارى العربية التي كانت في صراع لا ينقطع معهم ومعلوم أن الكتابة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحضر ظهرت أول ما ظهرت لدى حضارات وممالك الهلال الخصيب التي استفادت منها في حسم صراعها الثقافي والآيدلوجي مع البدو لصالحها ولقد ظلت ولا تزال الثقافة العربية تتبنى هذا النموذج الخلدوني المنحاز ضد البداوة بالرغم من أن الدراسات الأنثروبولوجية(الإنسانية) والأركيولوجية(الآثارية)الحديثة لا تدعم هذا الموقف”.

ولأن الكتابة-كما يشير الدكتور الصويان-كانت هي السلاح الموجود في أيدي حضارات الهلال الخصيب النهرية عندما كانت تتصارع مع حضارة البدو الصحرواية التي تقوم حضارتهم على السماع والشفاهة وليس الكتابة والتدوين ، فقد كُتب التاريخ وفق رؤية(حضارة الهلال الخصيب)للأحداث وتفسيرهم لها”… “كما لعبت الكتابة التي نشأت في أحضان المدينة دورا أساسيا في بلورة أنساق فكرية ومقولات أيديولوجية مناهضة للبداوة تصورها كحالة أقرب إلى الدمار منها إلى العمار، وأميل للفوضى منها إلى النظام وإلى الكفر منها إلى الإيمان ، هذا بينما الحياة البدوية حياة ترحالية لا تبني ولا تشيد، وثقافتها ثقافة شفهية لا توثق ولا تقيد، وإننا بذلك نعدم الشواهد التي نستطيع من خلالها أن نفهم وجهة النظر البدوية حيال صراع”…..”ومع تزايد سلطة الإرث الكتابي أخذت الكتابة تحل محل الشفاهة في تخزين المعارف وتشكيل الوعي العام، وعلى مر القرون تتراكم ما تنطوي عليه الكتابة التاريخية من تحيزات ضد البدو وثقافتهم مشكلة بذلك تضادية بين الثقافة الشفهية والثقافة الكتابية موازية للتضادية بين البداوة والحضارة”.

ويضيف الدكتور الصويان أن الكتابة التي امتلكتها حضارات الهلال الخصيب(عرب الشمال اليوم)لعبت دورًا حاسمًا في تشويه صورة الحضارة البدوية التي تقوم على الشفاهة والسماع وهو مايفسر لنا الأسباب التاريخية والإجتماعية المتوارثة الكامنة خلف العبارات التي كررها وزير خارجية لبنان كما كررها غيره من قبل ضد البدو ومجتمعنا السعودي والخليجي.

يقول الدكتور الصويان ايضاً إن :”هذا الموروث الكتابي المنحاز ضد البداوة كان هو الأساس الذي قامت عليه الديانات والمدنيات الكتابية اللاحقة في الشرق بما في ذلك المدنية العربية التي تصور البداوة على أنها تتنافى مع الحكم المدني الذي يستند إلى قوانين مكتوبة”.

وحتى نفهم سبب تهجم بعض إخواننا العرب علينا اليوم ومنهم وزير خارجية لبنان وربطنا بالبداوة والإبل وجعلها نقيصة وسبة لنا بينما هي شرف وفخر يمكننا أن نعثر على تفسير مقنع لذلك في كتاب الدكتور الصويان المشار إليه حيث يقول:”أن أهل الهلال الخصيب لم يألفوا أو يعرفوا الإبل وعدّوها حيوانات غريبة وحشية لا يقتنيها إلا البدو القاطنين في الصحراء ويعيشون حياة الرعي والترحال كما أنهم لم يعتمدوها في أسفارهم أو غزواتهم وحملاتهم الحربية”.

كما يضيف الدكتور الصويان أن”الحشود الغازية التي كانت تنطلق من قلب الجزيرة العربية على ظهور الإبل لتهاجم أطراف العراق والشام جعلت أهل تلك النواحي يعدون أولئك الغزاة بدواً لأنهم جاؤوهم على ظهور الإبل التي ارتبط اقتناؤها وركوبها بالبدو، علماً بأنه قد يوجد من بينهم من ليس بدوياً بل من فئة الفلاحين”!!

باختصار الهجوم المتكرر من بعض إخواننا العرب الموتورين الجهلة على بداوتنا الأصيلة وعاداتنا وتقاليدنا وحضارتنا العربية التي هي مزيج فريد ومتكامل من طرق العيش المتنوعة يجب قراءته في إطاره العلمي والتاريخي والإجتماعي الصحيح، لأننا بفهمنا لأس المشكلة سيسهل علينا التعامل معها.

و يا بلادي واصلي
والله معاك واصلي واحنا وراك
واصلي والله يحميك إله العالمين
قوة الإيمان بالإيمان والعزم المتين..
يا بلادي
يرتقي الإنسان عن إيمان في دنيا ودين..
يا بلادي
يا بلادي
ألف يهنالك وشعبك لك أمين
رايتك تحمل شعارك..
يا بلادي
هي في الدنيا منارك..
يا بلادي
واصلي والله يحميك إله العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى