كتاب أخبارنا

حب الوطن فطرة..!

 

كل مولود يولد على الفطرة،وحب الأوطان فطرة في النفوس السوية…وللجاحظ كلام مطول جميل وبديع عن حب الوطن،وعن السبب الذي جعله يطرق هذا الباب ويكتب فيه قال:”السبب الذي بعث على جمع نتفٍ من أخبار العرب في حنينها إلى أوطانها،وشوقها إلى تربها وبلدانها، ووصفها في أشعارها توقَّد النار في أكبادها،أني فاوضت بعض من انتقل من الملوك في ذكر الديار،والنزاع إلى الأوطان، فسمعته يذكر أنه اغترب من بلده إلى آخر أمهد من وطنه،وأعمر من مكانه،وأخصب من جنابه،ولم يزل عظيم الشأن جليل السلطان،تدين له من عشائر العرب ساداتها وفتيانها،ومن شعوب العجم أنجادها وشجعانها،يقود الجيوش ويسوس الحروب،وليس ببابه إلا راغبٌ إليه،أو راهبٌ منه، فكان إذا ذكر التُّربة والوطن حنَّ إليه حنين الإبل إلى أعطانها، وكان كما قال الشاعر:

إذا ما ذكرت الثَّغر فاضت مدامعي
وأضحى فؤادي نُهبةً للهماهمِ
حنيناً إلى أرضٍ بها اخضرَّ شاربي
وحُلَّت بها عنِّي عقود التمائمِ
وألطف قومٍ بالفتى أهل أرضه
وأرعاهم للمرء حقَّ التقادمِ.

كما ذكر الجاحظ ايضاً أن الفلاسفة قالوا في حب الإنسان لوطنه أن:”فطرته معجونةٌ بحبِّ الوطن…ولذلك قال بُقراط: يُداوى كلُّ عليلٍ بعقاقير أرضه،فإنَّ الطبيعة تتطلَّع لهوائها،وتنزع إلى غذائها…وقال أفلاطون:غذاء الطبيعة من أنجع أدويتها..وقال جالينُوس:يتروّح العليل بنسيم أرضه،كما تنبت الحبة ببلِّ القطْر.

كما سرد الجاحظ ايضاً أقوالاً متفرقة في حب الأوطان فقال أن أحدهم قال:”يحنُّ اللبيب إلى وطنه،كما يحنُّ النَّجيبُ إلى عطنه.. وقال:كما أنَّ لحاضنتك حقَّ لبنها، كذلك لأرضك حرمة وطنها.

وذكر أعرابيٌّ بلدةً فقال:رملةٌ كنت جنين رُكامها،ورضيع غمامها،فحضنتني أحشاؤها،وأرضعتني أحشاؤها…. وشبَّهت الحكماء الغريب باليتيم اللَّطيم الذي ثكل أبويه،فلا أُمَّ ترأمه،ولا أبَ يحدب عليه… وقالت أعرابية: إذا كنت في غير أهلك فلا تنسَ نصيبك من الذلّ.

وقيل لأعرابيٍّ: ما أصبركم على البدو؟ قال: كيف لا يصبر من وطاؤه الأرض،وغطاؤه السماء،وطعامه الشَّمس،وشرابه الريح…والله لقد خرجنا في إثر قومٍ قد تقدَّمونا بمراحل ونحن حُفاة، والشَّمس في قُلَّة السماء، حيث انتعل كلُّ شيءٍ ظلَّه، وأنَّهم لأسوأُ حالاً منّا،إنّ مهادهم للعفر،وإنَّ وسادهم للحجر، وإنّ شعارهم للهواء، وإنّ دثارهم للخواء.

وما أصدق الشاعر ابن الرومي عندما قال:”ولي وطن آليت أن لا أبيعه
وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة
كنعمة قوم أصبَحوا في ظلالكا
وحبَّبَ أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمُ
عهود الصبا فيها فحنُّوا لذالك

وبعد:ايها الوطن الأبي الشامخ..السلام عليك دائماً وابداً..عشت فخرًا لأبنائك…وحفظ الله قادتك…ودحر الله اعدائك في الداخل والخارج…ومثلما أن الأم وطن،فإن الوطن أم…طيب الله اوقاتكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى