كتاب أخبارنا

الحالات الإنسانية والتبرعات ..” والفزعة ” !!

 

برغم الخير الكثير الذي يحمله أهالي نجران بوجه خاص ومجتمعنا السعودي بشكل عام في دواخلهم واستعدادهم للبذل والعطاء ونجدة الملهوف ومساعدة المحتاجين إلا أن هناك-في رأيي-إهمالاً واضحاً من قبل بعض المسؤولين وبعض الجهات ذات العلاقه تتعلق بعدم معرفة الطريقة المثلى للتعامل مع الحالات الإنسانية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً وحلاً جذريا وتعاملاً منهجيًا مستداماً بشكل يؤدي لحل المشكلة وليس لاستمرارها او تجددها وتكرارها.

 

ومن المؤلم جدا والمحزن بالفعل أن لايكون أمام حالات كثيره وآخرها حالة رجل مسن من أهلنا في نجران،متعفف،ويعاني من إصابات مختلفة في جسمه،جار عليه الزمان،ويعول مجموعة من الأبناء والبنات ذوي الاحتياجات الخاصة إلا عرض حالته أمام الملأ في مقطع”فيديو”جاب الآفاق وشاهده المئات من البشر حتى تحل مأساته.

كأن الانسان العادي والجار والحي والقبيلة ورجل الاعمال والجمعيات الخيرية والمسؤول والمستشفيات المعنية والأطباء..كأن كل هؤلاء وغيرهم فجأة اكتشفوا مثل هذه الحالات،بل كأنها هبطت فجأة من كوكب آخر لايعلمه أحد..أمر محيّر فعلا ومثير للتساؤل!!

لماذا لا نتذكر فقراءنا وضعفاءنا ومحتاجينا ومرضانا إلا عندما نراهم يتألمون ويذرفون دموع الوجع والحرج في المقاطع التي تُبث عبر وسائل التواصل الإجتماعي بينما هم واقعا يعيشون معنا ونراهم يومياً ونعلم يقيناً بطريقة أو بأخرى مصيبتهم؟!!

لا أحد يلوم مثل هذا الإنسان العزيز المحتاج المبتلى في ابنائه،والذي الجأته الظروف القاهرة وضيق ذات اليد وسوء الحال لبث معاناته وألمه ومصيبته عبر وسائل التواصل الإجتماعي ولكن وبصراحة اليس هناك مسؤول ما أو جهة ما في مكان ما يقع عليها أولاً وأخيراً اللوم والمسؤولية الكبرى في مثل ظهور هذه الحالات وتعددها وتكرارها وإهمالها؟!!

اليس هناك خلل ما أدى لمثل تكرار هذه الحالات التي لم تجد مكاناً أو ملجأً بعد الله إلا وسائل التواصل الإجتماعي لبث همومها ومرارتها وألمها؟!!

لماذا على الإنسان الحر الكريم المتعفف الذي يعيش مأساته الخاصة ووجعه ووجع ابنائه لسنين أن يعيش مأساة أخرى ووجع آخر بإظهار نفسه وابنائه ومرضاه أمام الملأ حتى تحل كارثته التي ليس له ذنب فيها،إنما هي ابتلاء من الله اولا ثم وكل شيء خلل واضح لاينكره إلا جاحد في دور المسؤول المعني والجهة التي من صميم مهامها ايجاد الحلول العاجلة لمثل هذه الحالات بشكل لايشكل حرجاً ولا جرحاً لكرامة الإنسان وخصوصياته وكبريائه التي حفظها المولى عز وجل من أن يتم التعدي عليها بأي صورة أو أي شكل.

في المقابل أيضاً لا ملام على كل من يستطيع أن يقدم ما بوسعه عبر وسائل التواصل الإجتماعي ويسلط الضوء على تلك الحالات الإنسانية التي تم اهمالها وهي في أمس الحاجة للأيدي الحانية التي تربت عليها والتدخل السريع الذي يرسم البسمة على شفاهها والتخفيف من معاناتها،لكل أولئك الذين يضعون الناس والمسؤول امام مسؤولياتهم وضمائرهم وينطقون بالحق والصدق ويقفون في صف الضعيف نقول:شكرًا جزيلا لكم وأثابكم الله وسدد خطاكم.

نسأل الله أن يخفف عنه وعن امثاله من الذين لايعلم بحالهم إلا الله سبحانه وتعالى انه سميع مجيب..إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً…فما حيلة المضطر إلا ركوبها.

إن ردات فعلنا تجاه الحالات الإنسانية في هذا الوقت ردة فعل آنية فوضوية ليس لها ضابط ومليئة بالتناقضات والغرائب ولا أملك لها تفسيرا مقنعاً وتحتاج بالفعل لدراسة وبحث لمعرفة كل جوانبها وملابساتها..ولا ادعي أنني امتلك اجابات وافية لهذه الهبات المفاجئة تجاه الحالات الانسانية وكأن الناس يكتشفونها فجأة بينما هي تعيش بين ظهرانيهم سنين طويله ويعرفونها بطريقة أو بأخرى.

لم أجد في تراثنا الشعبي مقولة أو مثلاً يجسّد تصرفاتنا وردات فعلنا أمام الحالات الإنسانية والتبرعات إلا المثل الشعبي الشهير الذي يقول:”قال ارحب قال ارحب دز”.!!

ومع ذلك كله وبالرغم من كل هذه الملاحظات إلا أنني لست مع الذين يشككون في نوايا المتبرعين والمبادرين ويلومونهم ويقولون لو أن الصدقات كانت بالسر وليست علنية عبر وسائل الاعلام المختلفة،ولماذا يتوجب على الناس الإشادة بالمبادرين والمساهمين الى آخر مثل هذا الكلام الذي يطرحه البعض.

نوايا الناس لا يعلم بها إلا علام الغيوب ولايجب أن ننشغل أو نتدخل فيها بتاتاً،فالجدل فيها وحولها جدل عقيم…اضف الى ذلك أن الحالات الإنسانية التي ترى أن آخر العلاج هو الكي،اي الظهور العلني عبر وسائل التواصل الإجتماعي،لايعنيها حقيقة نقاش الناس العقيم حول افضل الطرق لتقديم المساعدات او الصدقات،وهل الأصح ان تكون سراً او علنا،وهل هذا يدخل في باب الرياء والنفاق ام لا،بل أولويتها الوحيده وهمها الأوحد هي رفع معاناتها المزمنة وحل قضيتها وتقديم الحلول العملية الناجعة لمصيبتها بأي طريقة كانت.

الحالات الإنسانية لاتملك ترف ولا يعنيها البحث عن الدوافع والأسباب التي دفعت المتبرعين والمبادرين الى تقديم المساعده اليوم وليس الأمس،بل كل ماتهتم له أن تحل مآسيها حتى لو اضطرت تحت الظروف القاسية أن تريق ماء وجهها-أكرم الله وجوههم من الأذى-من أجل البحث عن علاج او مساعدة مالية.

كنت كتبت العام٢٠١٧م عن تلك المبادرة التي تتعلق ب(اخراج سجناء نجران)من ذوي الديون والتبرع لهم واعتقد أن القضايا الانسانية متشابهه ولذلك ذكرت حينها أن مثل هذه المبادرات الإنسانية مطلب ديني وأخلاقي وقبلي لاغنى عنه لأي مجتمع حي واعٍ ومنها المجتمع النجراني ويجب أن يُشاد بها وبمن يسهم فيها ويبذل جهده ووقته وماله ولكن السؤال الذي طرحته آنذاك ومازال هو:-

هل مثل هذه المبادرات فعل أم ردة فعل؟!!
-بمعنى آخر:هل هي فعل جاء من تلقاء انفس القائمين عليها وتخطيطهم وحاجة مجتمعهم الفعلية أم أنها جاءت كردة فعل وتقليد للآخرين الذين فعلوا أولا وبادروا أولا وفقا لحاجة مجتمعاتهم هم؟!!

-قد يجيب أحدهم ويقول وماالفرق بين أن تكون المبادرات فعل أم ردة فعل،الأهم أنها عمل انساني وفيها فائدة إنسانية للمجتمع وللإنسان المتضرر،وهو هنا السجين.

هذه اجابة مقبولة من حيث المبدأ ولا غبار عليها ولكن من حيث المضمون فإن هنالك أسئلة تبحث عن اجابة:-

١-هل هذه المبادرة في اخراج السجناء ستستمر سنويا مثلا أم أنها”بيضة ديك”وموضة رمضانية لهذه السنة؟!!

٢-لماذا لم تكن هذه المبادرة السنة الفائتة مثلا أو التي قبلها وهل ستكرر في العام القادم مثلا؟!!

وبالفعل وكما توقعت كانت تلك المبادرة(بيضة ديك)ولكن لعل الحال يتغيّر ويأتي الله بفرج قريب..ونسأل الله أن يلطف بعباده ويفرج كربة كل مكروب.

أخيرا:عندما يشعر الانسان بالمرض أو الجوع أو الفاقه ويشعر أن الطرق جميعها قد سدت أمامه نتيجة خلل متكرر وقع من مسؤول ما او جهة ما في مكان ما فليس أمامه الا سلوك كل الطرق وقرع كل الأبواب بما فيها تلك التي تجرح كرامته وتؤذيه على المستوى الاجتماعي والنفسي وكل المستويات حتى وإن لم يصرّح بذلك أو يعبر عنه علناً.

إن مقاطع”الفيديو”هذه التي تحتوي على معاناة الناس وحاجاتهم وآلامهم تذكرنا دائماً بتقصيرنا وإهمالنا ونفاقنا وكذبنا وتناقضاتنا وغرائبنا،ثم نحاول للأسف أن ننقذ مايمكن انقاذه ولكننا-ويا للعار-مازلنا بعيدين كل البعد عن الحلول الجذرية المنهجية العلمية الحقيقية التي تنقذ حياة الناس وتخفف آلامهم وتحفظ كرامتهم في آن واحد…والأمل بعد الله نعقده على قادة هذه البلاد والسير بخطى حثيثة نحو تطبيق الرؤية المباركة بما ينعكس على الوطن والمواطن بالكرامة أولاً والخير والصحة والسعادة وليس ذلك على الله بعزيز.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى