كتاب أخبارنا

ارقدي يارفعه ..!!

لم تسمع ب(فيروس كورونا)الذي هز العالم وحجزهم قسراً في بيوتهم منذ بضعة أسابيع،ولم تعبأ بكل القلق والخوف الذي اجتاح الناس في كل مكان،بما في ذلك المحافظة التي تعيش في إحدى شعابها الوديعة في (حبونا).

لاتعلم ماذا يدور في وسائل التواصل الإجتماعي ولا ماتنقله تلفزيونات العالم من أخبار مرعبة ولا الإجراءات الإحترازية المتعددة التي اتخذتها حكومات العالم بما فيها حكومة بلدها السعودية،ولا الحظر الليلي،ولا الموت المنتشر في إيطاليا وأمريكا والصين وفرنسا ومعظم دول العالم.

لم تسمع عن الهوس المفاجيء بالمنظفات والمعقمات والكمامات والقفازات والحذر من لمس الأسطح والأبواب والاقتراب من الأشخاص والسلام عليهم وتجمع الناس مع بعضهم البعض والزيارات العائلية وتوقف المناسبات الإجتماعية بأنواعها وتوقف الأعمال الحكومية والخاصة والأسواق ومحلات الحلاقة والمطاعم ومعظم مظاهر الحياة الحديثة وزخرفها وكمالياتها.

لاتعلم ولا يعنيها وليس من أولوياتها أن تعرف شيئًا عن ما سبق،ولا عن مايجري في كل ارجاء المعمورة من استنفار وهلع وتسابق على الدواء والغذاء والأجهزة الطبية والتضحية بصحة كبار السن لحساب الشباب في بعض بلدان أوروبا لأن الخيار الوحيد-حسب ادعائهم- صار عند”العالم المتحضر”الجشع هو:”من يجب أن يموت أولاً؟ ومن يجب أن يعطى جهاز التنفس أولاً؟ ومن يجب أن يبقى على قيد الحياة أولًا؟!!!

كل ذلك الذي ذكر آنفًا،وكل هذا الصخب والضجيج لايساوي جناح بعوضة عند هذه المرأة الطيبة،المؤمنة،الكريمة،الزاهدة التي تساوي ابتسامتها العريضة،ورضاها الداخلي العميق،وقناعتها الايمانية الراسخة الحقيقية،وتسليمها المطلق لخالقها،كل مايعيشة العالم من وهم التقدم والعلم والتكنولوجيا وخدمة الإنسان ورفاهه وتنميته وعلاجه والحرص على سلامته وصحته.

إن تلك المرأة المحظوظة،التي لا ابالغ،وليسامحني الله إذا قلت أن الملائكة تحفها ليلاً ونهاراً،إنها حقيقة مقارنة بملايين البشر الذين يعيشون اليوم رعباً حقيقياً حول العالم-في رأيي-أسعد إنسان يعيش على وجه هذه البسيطه،وبخاصة في هذا الزمن المضطرب،الكالح السواد،الذي ليس بمقدور أحد-غير الله سبحانه وتعالى-أن يتنبأ بمستقبله!!

تلك المرأة الراضية بنصيبها،المتعلق قلبها بالله، التي تطل من علٍ على سني عمرها المائة،تعيش بالفعل حياة مثالية يتمناها كل أثرياء العالم الآن،بل كل البشر في العالم الآن،بل كل سياح العالم الذين هجروا جنيف وباريس وجزر المالديف وفنادق الخمس نجوم ومطاعم العالم الفاخرة وتوقفوا عن استخدام سياراتهم الفارهة.

حياتها بسيطة،هانئة،نظيفة،منظمة،مرتبة،تسكن في بيت متواضع بسيط يتكون من غرفتين شعبيتين،إحداهما مطبخ صغير،والأخرى للنوم،و(عريش هنقر للجلوس)وبعض الفُرش المتواضعة،وسجادة صلاة هي بيتها الأكبر والأعظم من كل قصور الأرض.

بعد أن تصلي المغرب،وبعد أن تتناول ماتيسر من بعض الطعام القليل،تدخل بهدوء وبطيء لغرفة نومها المتواضعة جداً،تترك الباب خلفها موارباً حتى يسهل على جيرانها تفقدها،ثم قبل أن تضع رأسها على الوسادة،تدعو بهذا الدعاء/الكنز،تدعو ولاشك أن الله يرعاها بعينه التي لاتنام،وكم من إنسان مسلم يدعو الله ويتمنى أن يكون(إيمانه كإيمان العجائز)..أي ذلك الإيمان الفطري الخالص من كل هوى ورياء وسمعه!!

تقول في دعائها بعد فاتحة الكتاب:”أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن ربي الله،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،طرحت جنبي واغفر ذنبي،طرحت رأسي وانت حرّاسي،طرحت ايدي سهل عافيتي،طرحت رجلي سهل رزقي،أشهد أن الموت حق،والحياة بيد الله”.

تضحك تلك المرأة المؤمنة المرحة حقاً كطفل بريء مقبل على الحياة وهي تخبر من حولها أنها بعد أن تفرغ من دعائها ذاك تقول لنفسها:”الآن ارقدي يارفعه”!!??

تسلم(رفعه)-أطال الله في عمرها-أمرها لله راضية مرضية،وتنام بعمق وهناء لايكدره مكدر وكأنها قد ملكت الأرض وماعليها،وكأني بالشاعر المتنبي قد عناها عندما قال:”أنام مليء جفوني عن شواردها…ويسهر الخلقُ جراها ويختصم”!!

فيا أيها العالم،أو بعضه…أيها العالم المرتعب،الخائف،الأناني،المنافق،ليكن لديك أولاً ايماناً كإيمان(رفعه)وفطرة كفطرتها،ثم ليكن شعارك بعد ذلك:”ارقدي يارفعه”دون أن تخشى شيئاً في حاضرك أو مستقبلك!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى