أدب وثقافة

الإبل.. تاريخ يخلد ماضي عريق وحاضر جميل

 

تعتبر الإبل من الحيوانات الأليفة سريعة الانقياض، ولها أهمية كبيرة على كوكبنا وذلك لما تتمتع به من خصائص تميزها عن غيرها، فهى سفينة الصحراء والعيادة المتنقلة.
وتتنوع أهمية الإبل وتختلف حسب الاستفادة منها في حياة الإنسان، حيث كانت سابقًا تستخدم كوسيلة للمواصلات، كما أن حليبها غذاء صحي ومفيد، بالإضافة إلى كونه كعلاج طبيعي للعديد من الأمراض المختلفة.

 

وللإبل أهمية بالغة لا يتسع المجال للإيفاء بها أو إيجازها في سطور، فهى ذات خصائص مختلفة تميزها عن غيرها على التكيف مع الطبيعية، فهى ذات قدرة عالية على تحمل العطش والجوع وحمل الأثقال الكبيرة والتنقل في الرمال ووسط هبوب الرياح والأتربة، مما يجعله سببًا رئيسيا لاستمرار الحياة في الصحراء والمناطق الأكثر صعوبة على الأرض.

الإبل في قصص العرب وساكني الصحراء..

تحتل الإبل مكانة فريدة في أذهان العرب وساكني الصحراء، وهى الأكثر شيوعًا في مجالس القصص والروايات بين القبائل العربية، وسوف نسرد بعضها في هذا التقرير، من خلال السطور القادمة.

“الصيعري”.. يسرد قصة (دعآسة)

يقول محمد بن معيقل، ليست (دعاسة) اسم عابر ولم تكن بالمفهوم الذي يتداوله شباب اليوم، الذين ما إن وعوا على هذه الدنيا إلا ووجدوا أمامهم السيارة، التي هي وسيلة النقل الأولى في هذا العصر، دون أن يعيشوا حياة الآباء والأجداد الذين يتباهون بوسائل نقلهم التاريخية (الإبل)، ومدى ارتباطها وارتباطهم بها.

وأردف قائلا، بل هي (دعاسة) اسم لبكرة للشيخ محمد بن معيقل الصيعري، تناقل أخبارها الركبان في الجزيرة العربية وخاصة بين نجد ومضارب قبائل الصيعر بالربع الخالي.

كما هي ليست قصة من نسج الخيال، بل حقيقة واقعة ولا زال بعض شهودها على قيد الحياة.

يسرد “الصيعري” قائلًا، بدأت القصة حينما كان صاحب السمو الأمير عبدالله بن محمد بن سعود الكبير “ابن شقران” – رحمه الله -، في رحلة صيد في الربع الخالي عام 1379هـ تقريبًا، حل ضيفا على الشيخ محمد بن سالم بن معيقل “نشقه” في عروق الأخاشيم، والتي سميت فيما بعد باسم (عرق بن شقران) نسبة إلى الأمير عبدالله بن محمد؛ وبعد أن قدم ابن معيقل واجب الضيافة لسموه، ذهبا لرحلة صيد واصطادوا عدد من الوضيحيٍ والغزلان.

وتابع، عند عودتهم أبدى الأمير إعجابه بالهجن الصيعرية، نظرًا لما تمتلكه من سمعة وشهرة واسعة، حيث كانت مطلعا لقصائد العديد من البادية، كقول الشاعر:

(يا راكب من عندنا صيعرية حمراء..
أصيلة من سلايل صعيبان)..

وأردف قائلًا، حين عودتهم قام ابن معيقل’ يإهدائه أفضل هجنه الأصايل وهي البكرة (دعاسة)، وتم نقلها معهم إلى الرياض، وقام علي بن ناصر بن السوداء الصيعري (عشقان)، بمرافقة الأمير لأن الأمير أراد من عشقان رعايتها وركوبها بالسباقات.

وقال “عشقان” قصيدة، يهني فيها “الأمير” بالبكرة (دعاسة):

(الله يهني طويل العمر دعاسة
وجنا تقرب بعيد الدرب لنزاحي

يطرح عليها الشداد الزين ولباسه
إذا ركب شدها في فج مفراحي)..

وحكى أن الأمير طلب حينها مشاركتها في السباقات القائمة آنذاك، وكان “عشقان” هو ممتطيها أثناء المشاركات.

ويقول عشقان، بأن (دعاسة) كانت تحقق المركز الأول في كثير من السباقات، مما جعلها تمتلك مكانه عزيزة في قلب الأمير عبدالله بن محمد.

وقد قال فيها بعض الأبيات الشعرية المرسلة لأبن معيقل، والتي كان مطلعها هذا البيت:

(سلمولي وأبلغوا هرجي مثنى
سلموا ع الصيعري بد الطوايف)..

وكانت للشاعر “عشقان” مجاراة لقصيده سمو الأمير، منها هذه الأبيات:

(راكب اللي لأنتحت بالسير دنا
العضود مجدولة والعمر نايف

سرها حدري من الديرة يجنا
من نضا ضبيان معدوم الوصايف

إن ركبنا وإن عطينا جملنا
وإن طرحنا فوقها زين الهفايف

سعف ابن شقران لي ع الجيش غنا
مثل جملة ريم لي قدها صفايف)..

ويقول “الصيعري”، وحينما كانت إبل الأمير عبدالله بن شقران’ في الدهناء، أطلقوا (دعاسة) مع الإبل في المرعى، وكان الامير قد حذر الرعاة بالحرص على دعاسة، وذلك نظرًا لأنه لاحظ حنينها المستمر، ودائما ما تناظر باتجاه الجنوب.

موقف للأمير يجسد شغفه بالبكرة (دعاسة)..

يحكي “ابن معيقل”، أنه حين غفلة من رعاة الإبل، سرت ( دعاسة) ليلا (هربت)، وحينما لم يجدوها في المراح، أخبروا الأمير’ فتكدر من ضياعها، ولكنه أسر لبعض من مقربيه بأنها ربما قد تذهب باتجاه الجنوب، فالإبل تحن دوما للمرابع التي ربيت فيها.

وتابع: أن الأمير أرسل برقية إلى أمير شرورة، لإخبار إبن معيقل’ بفقدان (دعاسة)، ولكي يقوموا بالحث عنها.

وبعد مرور أكثر من شهر عن ضياعها، وصلت إلى ديارها (ديار الصيعر) أقصى الجنوب بالربع الخالي، حتى أنها لم تدع مراحا أو موردا لأهلها إلا ومرت عليه.

ويقول، حينما كان ابن معيقل’ يسقي إبله على بئر الوديعة، وإذ بها تدني برأسها على كتف راعيها، والتفت فإذا بهذه البكرة (دعاسة)، ولم يصدق بما رآه، ولقد فرح بها فرحا شديدا، وجمع ربعه وأقام وليمة بقدوم البكرة (دعاسة)، والتي كانت لها معزة خاصة لديه.

وحينها، أبلغ ابن معيقل’ أمير شرورة في ذلك الوقت علي الشويعر، والذي سارع ببعث برقية لإبلاغ الأمير عبدالله’ بوصول (دعاسة) إلى ضواحي شرورة قادمة من نجد.

وعندما علم الأمير عبدالله بن محمد (ابن شقران)، أرسل برقية رد طالبا فيها الاهتمام بها وإعادتها إلى الرياض.

المغزى من موقف الأمير تجاه (دعاسة)..

تكمن الغرابة في هذه القصة، إلى طول المسافة التي قطعتها هذه الناقة من نجد إلى شرورة جنوب المملكة، والتي قد تصل إلى مسافة لا تقل عن 1300 كم.

ويروي “الصيعري” قائلًا، بعد فترة من الزمن، اشتاق الأمير عبدالله بن محمد بن سعود الكبير، للربع الخالي وأهله والمقناص، ونظم عدة أبيات يقول في مطلعها:

(يا أهل الربع الذي من قبل خالي
تتبعون الذود في حاذ وخله

طرشكم يمه شريك أم الغزالي
من بدا المشراف شاف الصيد كله)..

وكان الشيخ محمد بن معيقل لديه ولد اسمه عبدالله على اسم الأمير عبدالله بن محمد بن سعود الكبير، وقد قام عبدالله بن معيقل بتسمية أبنائه على أسماء أبناء الأمير عبدالله، وهم “فهد وتركي”.

ولعل من محاسن الصدف، أن يكون فهد’ هو مضمر هجن آل معيقل’ المشاركة في سباقات الهجن حاليًا.

وقد قام “فهد” بتسمية أحد البكار المشاركة باسم (دعاسة) تيمنا بناقة الأمير عبدالله ابن شقران، وهي من أفضل البكار لديه.

_ زينة الإبل..

“سند”.. يعلق عن زينة الإبل

يقول سند بن مزعل

، إن الإبل في القديم لا يوجد لها تزيين مثل الوقت الحاضر، ففي القديم الهجن تركب عليه الأشدة والغداوي والخروج، والخلفات تزين بالشهي، والشمل صنعات يدوية من البدويات تنسج بالحياكة اليدوية من شعر الإبل.

ويضيف “سند”، كان أشهر المسابقات عند البادية، سباق الهجن والمغازر وهو المحالب، وأشهر الأسواق كانت توجد في الإحساء ووادي الدواسر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى