طيبه من خواله..!
مثلما تركته قبل ثلاث وعشرين عامًا،لم تفت في عضده السنون ،مازال يبتسم للجميع ويتحدث لكل أحد،ويضحك بانبساط وفرح كأنه طفل..
في إحدى شركات القطاع الخاص التقينا وتعارفنا وعملنا معًا وكنا كل صباح نلتقي على الافطار ونتبادل الأحاديث ونضحك كثيرًا..
كان محمود صالح السوداني يحب النكات ويتذوق الشعر،وبخاصة الشعبي منه،ويقفز-كعادته-من مكانٍ لآخر يسأل هذا ويجيب على ذاك ويستمر في الضحك والمشاغبات الخفيفة اللطيفة.
في تلك السنوات المنصرمة كنت حينما أراه كل صباح أبادره مازحًا ببيت الشعر الشهير للشاعر راشد بن الذيب العجمي:”الصبي وإن طاب طيبه من خواله..وإن تردى فاعرف أنهم خايبيني “!!
حفظ محمود صالح هذا البيت عن ظهر قلب وأعجب به ايما اعجاب وصار يردده يوميًا بلهجته السودانية المحببة ثم يقول ضاحكاً:”ديل خايبين مافيها كلام”!!
ويالها من دنيا صغيرة فعلًا،ففي إحدى مقاهي الرياض،وعندما كنا نشاهد مع آخرين مباراة المغرب والبرتغال ضمن مباريات كأس العالم ٢٠٢٢م في قطر، لمحت محمود صالح وهو واقف يضحك للجميع، ويمازح من حوله ويقفز في كل مكان كما هو حاله قبل ثلاث وعشرين عامًا،وعندما انتبه صدفة إلى حيث أجلس ناديت عليه:”هل انت محمود صالح”؟ قال مترددًا ومستغربًا:”يمكن..ايش فيه”؟!!
فقلت له:”الصبي وإن طاب طيبه من خواله”!!
فصاح صيحة انتبه لها كل من كان جالسًا في المقهى ثم أقبل علي وهو يردد ضاحكًا :”وإن تردى فاعرف إنهم خايبيني…انت أكيد فلان”.
تعانقنا طويلًا وتذكرنا تلك الأيام الخوالي وأولئك الزملاء الذين بعضهم غادر الحياة رحمهم الله،وبعضهم ذهبوا في مسارب الحياة المختلفة وانتشروا في مناكب الأرض، وبقي محمود صالح كما كان دائما..يضحك كطفل وينظر للحياة-بعد الستين-بتفاؤل وأمل وإيجابية ويردد:”والصبي وإن طاب طيبه من خواله”.😁