عوايد ماهي جدايد

في المواقف الصعبة يعرف الرجال وتختبر معادنهم وقوة إرادتهم وسموهم وترفعهم عن غرائز النفس البشرية المعتادة، الأمارة بالسوء دائماً،النفس الممتلئة بروح الانتقام والغضب، النفس التي عندما يترك لها القياد ويصبح الإنسان أسيرًا لشيطانها تحركه كيفما شاءت ثم ترديه المهالك ولا كامل إلا وجه الله.

فوجيء بقاتل ابنه يدخل عليه في بيته ويطلب منه-ربما في لحظة ندم ولات مندم- أن يقوم بقتله بدلًا عن ابنه المقتول لكنه بروح الرجل المجرب، الرابط الجأش ، بعيد النظر قام بدلًا عن ذلك بمنعه من أن يمس بسوء أو يتعرض له أحد وعمل على حمايته ثم قام بتسليمه للجهات الرسمية المختصة وهنا قفل باب الفتنة وأطفأ روح الغضب والانتقام وعالج الموقف بما يقتضي وكسب الأجر عند الله والتقدير والاحترام عند خلقه،فانطبق عليه قول الفارس والشاعر الشهير عنترة بن شداد:
“يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم “.

لقد كان موقف علي بن رفعان بن عوام المحامض اليامي موقفاً عظيمًا رجولياً شجاعًا إنسانيًا يحتذى وهذا ليس بغريب أو جديد على رجال يام العظماء وهمدان ومكرم ومجتمع نجران خاصة والجزيرة العربية عامة ، وقد ذكرني هذا الموقف الخالد لابن عوام بأبيات لأحد رجالات يام الشجعان الأوائل في تلك الأزمان المريرة الشحيحة عندما قال:”
لابتي ملينة الحديد
ربع مشاكيل عصاة”.

ليس هذا فحسب بل أن ابن عوام ذكر في إحدى المقاطع المنتشرة له أنه أراد بفعله الخالد هذا أن يوجه رسالة للشباب والنشيء والأجيال الحالية أن لا يفرطوا في الشيم والقيم والوفاء والأعراف السامية واحترام الجار وحفظ ماء الوجه والترفع عن الصغائر وتحكيم العقل وضبط النفس، وما أصدق قول أبي العتاهية:”
ألم تر أن الحلم للجهل قاطع
وأن لسان الرشد للغي مسكت”.

لقد أراد ابن عوام أن لاتذهب الأخلاق الحميدة والمواقف الرفيعة والمثل العليا بين الناس وهذه من عادات العرب الأصلاء أصحاب الفطرة النقية السليمة والرفعة والسؤدد لأن البديل لو-لاسمح الله غاب كل هذا-هو الفوضى والجهل وسيادة التعصب وترك الحبل على الغارب للغرائز تعبث بكل شيء وتفسد ما بناه الأجداد الأوائل وما تحقق للناس حاليًا من تطور وازدهار وتقدم علمي وتكنولوجي ووعي وعيش كريم في بلدنا المعطاء الأبي تحت قيادة حكيمة رشيدة متمكنه تنشد الافضل لمجتمعها على كل الصعد.

والأقدار تجري على البشر بخيرها وشرها، تجري بين الأحباب والأصحاب وذوي الرحم وبين الأعداء على إختلاف مشاربهم،وليس أمر ولا أصعب على النفس البشرية من الخلافات والنزاعات والصراعات الأهلية التي تفضي في لحظة غياب العقل إلى القتل والعياذ بالله،فهنا تكون وبال على كل الأطراف وعلى كل الأسر وكل الرجال الشجعان الكرماء الطيبين ذوي النفوس المحبة والذي يحدث يتجسد في قول الشاعر:”
إذا احتربت يوما وسالت دماؤها
تذكرت القربى وسالت دموعها”.

من جانب آخر بقي أن أقول ونحن نشهد من فترة لأخرى حالات قتل مأساوية-وهي قليلة والحمدلله-أن على الجهات ذات العلاقة دور كبير ومهم في البحث عن الأسباب ثم إيجاد الحلول ونشر الوعي وبث المعرفة التي من شأنها قطع دابر هذه المآسي.

على إدارة التعليم في نجران بمدارسها ومدرسيها ومدرائها وجامعة نجران وفرع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ونادي نجران الأدبي وغيرها من الجهات ذات العلاقة أن تعقد حلقات نقاش تعالج هكذا موضوعات تستهدف الطلاب بمختلف مراحلهم والمجتمع في نجران بمختلف شرائحه والتنبيه لخطورة مثل هذه القضايا على النشيء ومستقبلهم وأنفسهم وحياتهم برمتها وكلنا يعلم أن مآسي من هذا النوع دمرت أسر كاملة عانت من الحزن على أبنائها وتأثرت من الخلافات والتشريد والبعد عن الأهل ولذلك كل هذه الجهات مسؤولة بشكل كبير جدًا في أن تكون جزء من نبض المجتمع في نجران وهمومه المختلفة وأن تكون ملتصقة بما يحدث فيه من سلبيات وايجابيات لأن هذا دورها الأساسي الذي أنشئت من أجله.

خالص العزاء لقبيلة المحامض عامة ولأسرة ال عوام خاصة في فقد ابنهم رحمه الله وغفر له وموتانا جميع وكان الله في عون أسرة الجاني وأهله وذويه فهم أيضاً في حاجة للدعاء والمؤازرة والدعم المعنوي ونسأل الله أن يجنب أهلنا ومجتمعنا ودولتنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى