كتاب أخبارنا

‏الشهداء الخالدون….ذكرهم التاريخ فنسيناهم !


‏في عام ٥٢٥ للميلاد حشد ذو نواس جيشاً من الأشقياء وأمرهم بحفر أخدوداً عظيم تمهيداً لإرتكاب أعظم محرقة بشرية شهدها التاريخ، وقد كان يظن حينها بل كان متأكداً بأن الخوف سوف يستعر في قلوب أولئك المؤمنين الصادقين عندما يشاهدون تلك النار التي تتراقص أمام أعينهم، وعندها سيُرغمهم على العدول عن ديانتهم النصرانية خوفاً ورهبة وطمعاً فيما تبقى من لذة العيش لينتصر عليهم ويحقق ما أمره به شيطانه الأكبر، ولكنه تفاجأ عندما ثبت أولئك الأحرار ووقفوا كالأسود الضارية على حافة ذلك الأخدود العظيم وهم يزأرون، رافعين أعينهم نحو السماء كبيرهم وصغيرهم حتى ذلك الصبي الذين أنطقه الله في مهده مخاطباً أمه ( إصبري يا أمّاه فإنك على حق ) رافضين وبكل شجاعة التراجع عن دينهم وإعتناق الديانة اليهودية التي تركوها ليؤمنوا بالله العزيز الحميد، وعندما رأى ذو نواس أنهم إنتصروا بعزتهم عليه، إستشاط غضباً وأمر بإحراقهم جميعاً لكي يحافظ على ما تبقى من هيبته وسلطانه أمام جيشه وأتباعه الذين يعبدونه من دون الله خوفاً ورهبة، فما كان من أهل نجران الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلاّ أن أقبلوا كالجبال الشامخة يتعادون ويتدافعون تباعاً، ليتساقطوا كالمطر في نار الشقي إبن الشقي ضاربين أروع أمثلة الشرف والعزه والصمود تاركين للأجيال من بعدهم قصةً لن تُنسى أبطالها ٢٠ ألف شهيد وهم يعلمون يقيناً بأن الله سينصرهم على من ظلمهم وسيُبدلهم بدارٍ خيراً من دارهم في جنات النعيم، فأنزل الله فيهم سورة البروج ليظلّوا خالدين في كتابه المقدس وأكرمهم بسبعون ألف ملك يحومون على أرواحهم الطاهرة وليظل التاريخ يذكرهم أجيالاً بعد أجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

‏ما دفعني للتطرق لتلك القصة هو أنني كنت برفقة أحد الزملاء من أهل نجران وكان يتحدث عن قصة شهداء الأخدود متأثراً بموقفهم البطولي وشجاعتهم في مواجهة الموت طمعاً في دين الله، وحينها سألته متى أخر مره قمت بزيارة منطقة الأخدود الأثرية ؟ فتفاجأت عندما أخبرني بأنه لم يزرها إطلاقاً وهو يعلم أن بعض المهتمين بالتاريخ قد أتوا من قارة أوروبا ومن بقية دول العالم قاطعين ألاف الأميال لينالوا شرف زيارة ذلك المكان العظيم الذي يحتظن بين جنباته رُفات الشهيد عبدالله بن ثامر وأصحابه العظماء الأحرار !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى